سورة محمد - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (محمد)


        


{فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35)}
{فَلاَ تَهِنُواْ} أي إذا علمتم أن الله تعالى مبطل أعمالهم ومعاقبهم فهو خاذلهم في الدنيا والآخرة فلا تبالوا بهم ولا تظهروا ضعفًا، فالهاء فصيحة في جواب شرط مفهوم مما قبله، وقيل: هي لترتيب النهي على ما سبق من الأمر بالطاعة {وَتَدْعُواْ إِلَى السلم} عطف على {تَهِنُواْ} داخل في حيز النهي أي ولا تدعوا الكفار إلى الصلح خورًا وإظهارًا للعجز فإن ذلك إعطاء الدنية، وجوز أن يكون منصوبًا بإضمار أن فيعطف المصدر المسبوك على مصدر متصيد مما قبله كقوله:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله ***
واستدل ألكيا بهذا النهي على منع مهادنة الكفار إلا عند الضرورة، وعلى تحريم ترك الجهاد إلا عند العجز، وقرأ السلمي {وَتَدْعُواْ} بتشديد الدال من ادعى عنى دعا، وفي الكشاف ذكر لا في هذه القراءة، ولعلى ذلك رواية أخرى، وقرأ الحسن. وأبو رجاء. والأعمش. وعيسى. وطلحة. وحمزة. وأبو بكر {السلام} بكسر السين {وَأَنتُمُ الاْعْلَوْنَ} أي الأغلبون، والعلو عنى الغلبة مجاز مشهور، والجملة حالية مقررة لمعنى النهي مؤكدة لوجوب الانتهاء وكذا قوله تعالى: {والله مَعَكُمْ} أي ناصركم فإن كونهم الأغلبين وكونه عز وجل ناصرهم من أقوى موجبات الاجتناب عما يوهم الذل والضراعة.
وقال أبو حيان: يجوز أن يكونا جملتين مستأنفتين أخبروا أولًا أنهم الأعلون وهو إخبار غيب أبرزه الوجود ثم ارتقى إلى رتبة أعلى من التي قبلها وهي كون الله تعالى معهم {وَلَن يَتِرَكُمْ أعمالكم} قال: ولن يظلمكم، وقيل: ولن ينقصكم، وقيل: ولن يضيعها، وهو كما قال أبو عبيد. والمبرد من وترت الرجل إذا قتلت له قتيلًا من ولد أو أخ أو حميم أو سلبته ماله وذهبت به، قال الزمخشري: وحقيقته أفردته من قريبه أو ماله من الوتر وهو الفرد، فشبه إضاعة عمل العامل وتعطيل ثوابه بوتر الواتر وهو من فصيح الكلام، وفيه هنا من الدلالة على مزيد لطف الله تعالى ما فيه، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله» والظاهر على ما ذكره أنه لابد من تضمين وترته معنى السلب ونحوه ليتعدى إلى المفعول الثاني بنفسه، وفي الصحاح أنه من الترة وحمله على نزع الخافض أي جعلته موتورًا لم يدرك ثاره في ذلك كأنه نقصه فيه وجعله نظير دخلت البيت أي فيه وهو سديد أيضًا.
وجوز بعضهم {يتر} هاهنا متعديًا لواحد و{يَعْلَمُ أعمالكم} بدل من ضمير الخطاب أي لن يتر أعمالكم من ثوابها.
والجملة قيل معطوفة على قوله تعالى: {مَّعَكُمْ} وهي وإن لم تقع حالًا استقلالًا لتصديرها بحرف الاستقبال المنافي للحال على ما صرح به العلامة التفتازاني وغيره لكنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في غيره، وقيل: المانع من وقوع المصدرة بحرف الاستقبال حالًا مخالفته للسماع وإلا فلا مانع من كونها حالًا مقدرة مع أنه يجوز أن تكون {لَنْ} لمجرد تأكيد النفي، والظاهر أن المانعين بنو المنع على المنافاة وإنها إذا زالت باعتبارًا أحد الأمرين فلا منع لكن قيل: إن الحال المقصود منها بيان الهيئة غير الحال الذي هو أحد الأزمنة والمنافاة إنما هي بين هذا الحال والاستقبال. وهذا نظير ما قال مجوز ومجيء الجملة الماضية حالًا بدون قد، وما لذلك وما عليه في كتب النحو، وإذاجعلت الجملة قبل مستأنفة لم يكن إشكال في العطف أصلًا.


{إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ (36)}
{إِنَّمَا الحياة الدنيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} لا ثبات لها ولا اعتداد بها {وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ} أي ثواب إيمانكم وتقواكم من الباقيات الصالحات التي يتنافس فيها المتنافسون {وَلاَ يَسْئَلْكُمْ} عطف على الجزاء والإضافة للاستغراق، والمعنى إن تؤمنوا لا يسألكم جميع أموالكم كما يأخذ من الكافر جميع ماله، وفيه مقابلة حسنة لقوله تعالى: {يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ} كأنه قيل: يعطكم كل الأجور ويسألكم بعض المال وهو ما شرعه سبحانه من الزكاة، وقول سفيان بن عيينة أي لا يسألكم كثيرًا من أموالكم إنما يسألكم ربع العشر فطيبوا أنفسكم بيان لحاصل المعنى، وقيل: أي لا يسألكم ما هو مالكم حقيقة وإنما يسألكم ماله عز وجل وهو المالك لها حقيقة وهو جل شأنه المنعم عليكم بالانتفاع بها، وقيل: أي لا يسألكم أموالكم لحاجته سبحانه إليها بل ليرجع إنفاقكم إليكم، وقيل: أي لا يسألك الرسول صلى الله عليه وسلم شيئًا من أموالكم أجرًا على تبليغ الرسالة كما قال تعالى: {قُلْ مَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ المتكلفين} [ص: 86] ووجه العليق عليها غير ظاهر وفي بعضها أيضًا ما لا يخفى.


{إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (37)}
{ؤإِن يَسْئَلْكُمُوهَا} أي أموالكم {فَيُحْفِكُمْ} فيجهدكم بطلب الكل فإن الإحفاء والإلحاف المبالغة وبلوغ الغاية في كل شيء يقال: أحفاه في المسئلة إذا لم يترك شيئًا من الإلحاح وأحفى شاربه استأصله وأخذه أخذًا متناهيًا، وأصل ذلك على ما قال الراغب: من أحفيت الدابة جعلته حافيًا أي منسحج الحافر والبعير جعلته منسحج الفرسن من المشي حتحتى يرق {تَبْخَلُواْ} جواب الشرط، والمراد بالبخل هنا ترك الإعطاء إذ هو على المعنى المشهور أمر طبيعي لا يترتب على السؤال {وَيُخْرِجْ أضغانكم} أي أحقادكم لمزيد حبكم للمال وضمير {يَخْرُجُ} لله تعالى ويعضده قراءة يعقوب. ورويت أيضًا عن ابن عباس {وَنُخْرِجُ} بالنون مضمومة، وجوز أن يكون للسؤال أو للبخل فإنه سبب إخراج الأضغان والإسناد على ذلك مجازي، وقرأ عبد الوارث عن أبي عمرو {وَيُخْرِجْ} بالرفع على الاستئناف، وجوز جعل الجملة حالًا بتقدير وهو يخرج وحكاها أبو حاتم عن عيسى، وفي اللوامح عن عبد الوارث عن أبي عمرو {وَيُخْرِجْ} بالياء التحتية وفتحها وضم الراء والجيم {أضغانكم} بالرفع على الفاعلية.
وقرأ ابن عباس. ومجاهد. وابن سيرين. وابن محيصن. وأيوب بن المتوكل. واليماني {وَتُخْرِجُ} بتاء التأنيث ورفع {أضغانكم}، وقرئ {وَيُخْرِجْ} بضم الياء التحتية وفتح الراء {أضغانكم} رفعًا على النيابة عن الفاعل وهي مروية عن عيسى إلا أنه فتح الجيم بإضمار أن فالواو عاطفة على مصدر متصيد أي يكن بخلكم وإخراج أضغانكم.

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13